كيف يمكننا محاربة الفقر؟

 

 

 

حيدر بن عبدالرضا اللواتي

haiderdawood@hotmail.com

تعمل جميع الدول في العالم على محاربة الفقر وتحقيق الحياة الاقتصادية والاجتماعية الكريمة لأبنائها من خلال تعزيز الاقتصاد الوطني وتنويع الموارد، وتنمية القطاعات الإنتاجية والخدمية، الأمر الذي يساعد على هدف إيجاد وخلق فرص عمل مناسبة للعاطلين وضمان الدخل الكافي لاستقرارهم، وتمكينهم من مواجهة التحديات والالتزامات المالية والاجتماعية.
وفي سلطنة عُمان وبقية دول مجلس التعاون الخليجي، تبذل الجهات المعنية جهودًا دؤوبة لرفع مستويات الرواتب وتحقيق نوع من الاستقرار الوظيفي والمالي للمواطنين، من أجل تحقيق حياة اجتماعية كريمة، بحيث لا يضطر المرء إلى مدّ يده للآخرين للمعونة والعوز، بالإضافة إلى العمل على توزيع عادل للدخل من الثروات التي تتمتع بها المنطقة، وتقليل الفوارق وتفعيل برامج الرعاية الاجتماعية. وهذا لا يتأتى إلّا من خلال تحسين جودة التعليم والصحة والاستثمار في هذين القطاعين المهمين لضمان تمكين الأفراد وتطوير قدراتهم، الأمر الذي يساعد على إيجاد مجتمع مدني متعاون ومتسامح بين جميع المواطنين.

لكن ما يجب التطرق إليه اليوم هو أن التقارير الدولية تشير إلى تزايد الفقر في دول مجلس التعاون الخليجي خلال السنوات الماضية، بالرغم من تمتعها بالعديد من الثروات النفطية والمعدنية والغاز الهائلة التي تُمكِّن كل فرد خليجي من العيش في بحبوحة وسعادة وغنى، إلّا أن الواقع يقول غير ذلك. ولقد شاهدتُ حالات البؤس والفقر لدى البعض من أبناء دول المجلس بحيث أصبح بعضهم يعملون في الأعمال الخدمية الدنيا كخدمات الفنادق والمطاعم -وليس هذا بعيب- ولكن أن تصل الحالة إلى قيام بعضهم بتغسيل السيارات في أماكن الوقوف، وطلب المساعدة الشخصية من الآخرين، فهذا ما يجب الوقوف عليه ومراجعته.

أليست هذه الموارد الاقتصادية من النفط والغاز والثروات الهائلة تكفي لتشغيل جميع أبناء دول المجلس في أعمال جيدة والتكامل فيما بينها للتقليل من المدة الزمنية للوقوف في طوابير العمل لأشهر؛ بل لسنوات عديدة؟ أليس من حقهم أن يحصلوا على الأعمال في دولهم لمواجهة ظروف الحياة القاسية؟ الجواب صعب على الكثير من مسؤولي الأجهزة المعنية في دولنا الذين أصبحوا يعنون بالآخرين أكثر من أبنائهم، بحيث أصبح المواطن الخليجي يستجدي الأجنبي ليعمل لديه في أي عمل متاح؛ الأمر الذي يؤكد أن هناك سيطرة محكمة على المقدرات الاقتصادية للدول من قبل الدول الأخرى؛ سواء بإدخالهم في الحروب والصراعات والنزاعات الجانبية، أو بالتعاون مع الكبار في قسمة هذه الثروات بطريقة أو بأخرى. وهذا ما يؤدي إلى زيادة أعداد الباحثين عن الأعمال وارتفاع أعداد المسرحين وتفاقم البطالة بين الشباب من الجنسين.

اليوم أصبح الفقر يُعَدّ من أبرز التحديات العالمية التي تؤثر في حياة الملايين من البشر الذين تجاوز عددهم اليوم 8 مليارات نفس، وفقًا لتقرير البنك الدولي الصادر في أكتوبر 2024؛ أي أن 8.5% من سكان العالم يعيشون على أقل من 2.15 دولار في اليوم وفق الأُسس التي تتحدث عن الفقر في العالم. وهناك اليوم 3.3 مليون مواطن خليجي يعيشون في فقر بالرغم من الجهود الكبيرة للحد من ذلك.

إنَّ منطقتنا الخليجية مُعرَّضة للفقر إذا لم تُتخذ الإجراءات الكفيلة بالحد منه؛ فتقرير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "الإسكوا" أشار إلى وجود مؤشرات فقر في عدد من الدول العربية الخليجية، حيث يعاني اليوم أكثر من 6% من سكان دول المجلس من الفقر، ضمن العدد الإجمالي المقدَّر للسكان بنحو 54 مليون نسمة لعام 2023. بينما هناك أكثر من 25 مليون عامل أجنبي يعملون في المنطقة وينافسون المواطنين، بحيث تصل نسبة الوافدين في بعض الدول الخليجية إلى أكثر من 90%، وبالتالي تتضرر المصالح الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين؛ الأمر الذي يوجب إعادة النظر في هذه القضايا.

بيانات تقرير "الإسكوا" الأخير تشير إلى أنه بالرغم من أن معدلات الفقر تراجعت بدول المجلس منذ عام 2010، إلّا أنه من المهم وضع سياسات لإبعاد المنطقة عن الفقر؛ ففي السعودية تراجعت نسبة الفقر من 18.2% في عام 2010 إلى 13.56% حاليًا، وهناك نسب متفاوتة في بقية دول المجلس؛ حيث تصل النسبة في سلطنة عُمان إلى 10% تقريبًا؛ أي أن هناك فقيرًا بين كل 10 من السكان، وفي البحرين تصل النسبة إلى 7.5%، فيما تقل معدلات الفقر في كل من الكويت والإمارات عن 2%، وتُعد قطر من أقل الدول المسجلة للفقر بحيث تصل النسبة إلى 0.4%.

نحن لدينا رؤية تنموية "عُمان 2040"، التي تركز على تحسين مستوى المعيشة وتطوير البنية التحتية والخدمات الاجتماعية، وهذا يتطلب توفير مزيد من الأعمال للباحثين والمسرحين من الأعمال لتمكينهم من العيش بسلام وفي وضع اقتصادي واجتماعي مريح.

الأكثر قراءة